لم يكن هناك أي أصوات سوى صوت السيارة وصوت جوزيف وهو يوجه جيسي نحو الطريق الذي يجب أن يسلكه، بينما كان نيكولاس نائمًا منتظرًا أن يصلوا إلى وجهتهم. أما إيثان، فقد ضل يحدق نحو الزهرة البيضاء التي أحضرها من الحديقة. بينما جيني كانت فقط تنظر إلى الطريق، غارقة في أفكارها بوجه عبوس.
قاطع جوزيف هذه الأجواء قائلًا: "أود أن أحذركم من شيء ما يا رفاق، لا أعرف إن سمعتم عن هذا جميعكم، لكن علي أن أقوله لكم. فكما تعرفون، تُعتبر الوحوش خطرًا حقيقيًا في هذا العالم، لكن هناك خطر إضافي عليكم الحذر منه."
نظر جيسي إليه باستغراب بطرف عينه وعلى وجهه علامات حيرة، قائلاً: "ما هو ؟"
أخذ جوزيف نفسًا عميقًا وهو مسترخي على كرسي السيارة، قائلًا: "الوحوش البشرية.لا يمكنني أن أصفهم سوى بصفة واحدة، وهي وحوش بأجساد بشرية. بشر استغلوا هذه الفوضى وغياب القوانين في هذا العالم للقيام برغباتهم المريضة بكل حرية. يقومون بقتل بني جنسهم بكل وحشية بدون ذرة اهتمام، يستمتعون بتعذيب بشر مثلهم. ولكن المشكلة الكبرى أن هذه الوحوش البشرية اجتمعت تحت سقف إمبراطورية واحدة، إمبراطورية كاتوران، حيث كل من فيها عبارة عن وحوش بشرية يتميزون بوجود حروق بشكل دائرة في و سطها نقطة (☉) على كتفهم الأيمن أو الأيسر. يعتبرون أنفسهم أفضل من البشر الطبيعيين ويميزون أنفسهم عن طريق تلك العلامات."
رد عليه جيسي وعلى وجهه علامات الاستغراب: "كيف استطاعوا التفاهم رغم طبيعتهم العنيفة تلك؟"
رد عليه جوزيف: "لا أحد يعرف يا رجل، كل ما نعرفه أنه تم توحيدهم من قبل شخص مجهول قبل 20 سنة."
أخذ جيسي نفسًا عميقًا و قال"حسنا يا رجل".أكملوا طريقهم إلى أن بدأت معالم الغابة تظهر بالتدريج. تكلم جوزيف بصوت مرتفع: "لقد اقتربنا من الوصول يا رفاق."
فتح نيكولاس عينيه ببطء وقال بصوت منخفض: "هل وصلنا؟" ثم بدأ بالتثاؤب. بعد وقت قصير وصلوا إلى الغابة ليجد جيسي أنها مليئة بالأشجار في كل مكان، ولن يستطيعوا استخدام السيارة داخلها، لذلك أوقف السيارة وطلب من الجميع تجهيز أغراضهم.
أحضر جيسي مسدسه الخاص (المكتوب عليه ويليام ثورنفيلد) بينما كان لدى الجميع مسدس عادي، وجيني كانت تحمل حقيبة فيها بعض الأدوات الطبية و الطعام وبعض المساحة الفارغة لوضع الأعشاب فيها.
تقدم جوزيف بخطوات ثابتة نحو الأمام، ليتبعه الآخرون في هدوء واحدًا تلو الآخر. كان المكان مليئًا بالأشجار كثيفة الأوراق في كل مكان لدرجة أن السماء لم تكن تظهر من كثرة أوراق الشجر. ظل جوزيف يتقدم نحو الأمام وجيسي ونيكولاس رافعان أسلحتهما استعدادًا لأي خطر محتمل.
توقف جوزيف فجأة وبدأ يتفحص المكان، وبعد مرور عدة ثوانٍ استدار جوزيف نحوهم بابتسامته المعتادة: "حسنًا، لقد وصلنا، هذا هو المكان المقصود." كان المكان مختلفًا قليلاً، حيث كان عبارة عن مساحة دائرية خالية من الأشجار مما سمح لهم برؤية السماء من فوقهم.
أقدم جوزيف نحو إحدى النباتات الموجودة أمام أحد الصخور. كانت أوراقها خضراء داكنة تحمل عروقاً بارزة، تمتد سيقانها الرفيعة والمتعرجة نحو الأعلى وتنتهي بأزهار صغيرة بنفسجية. قام بنزعها من الأرض وتوجيهها نحو الفريق ليرونها. "مهمتكم بسيطة، كل ما عليكم فعله هو قص أي نبات يشبه هذا." نظر الجميع نحو الزهرة، وبعدها أعطاها لجيني لتضعها في الحقيبة. بعدها طلب منهم الذهاب لجمع الأزهار وعدم الابتعاد.
انتشر الجميع في الأرجاء باحثين عن الأزهار. توجه جيسي وإيثان نحو الشمال، بينما توجه البقية نحو الشرق. أثناء مشي إيثان وجيسي، تعثر جيسي بإحدى الصخور مما تسبب في سقوطه على الأرض. قام جيسي بأنهاضه بسرعة من الأرض وعلى وجهه ملامح قلق. تساقطت بعض قطرات الدم من رأس إيثان. أخرج جيسي من جيبه القليل من الضمادات وقام بلفها حول رأس إيثان. "إنها ليست إصابة خطرة، لحسن حظك سيقوم الدم بسد الجرح قريبًا."
بعد وضع الضمادات أكملوا طريقهما للبحث عن الأعشاب. لم تمر دقائق قليلة حتى وجدوا كثيرًا منها أمام إحدى الصخور الضخمة. توجهوا نحوها وبدأوا بقص الأزهار واحدة تلو الأخرى، ثم توجهوا راجعين إلى المنطقة التي انفصلوا فيها بعد أن أحضروا أقصى ما يمكنهم حمله من الأعشاب. لم يكن هناك ما يكسر الصمت سوى همسات الرياح التي تتلاعب بأوراق الشجر وأصوات أقدامهم على الأرض الرطبة.
توجه جيسي نحو إيثان وقال له: "الوضع ممل بعض الشيء، دعني أعطيك بعض النصائح التي قد تساعدك بدلاً من المشي بلا فائدة." توقف لثوانٍ عن الكلام بسبب تعثره بصخرة في الأرض، لكنه سرعان ما استعاد توازنه وأكمل كلامه: "سأخبرك كيف تتعامل مع المخلوقات التي ليس لها أعين أو لا تستطيع الرؤية بطريقة ما. التعامل مع هذه المخلوقات قد يبدو صعبًا قليلاً، كون أي صوت تصدره، ولو صغيرًا، سيجعلها تعرف مكانك، لكنه بنفس الوقت نقطة ضعف. كل ما عليك فعله هو التقاط أي شيء على الأرض ورميه بقوة بعيدًا عنك. ذلك سوف يجعلها تتبع الصوت، واستمر بفعل ذلك عدة مرات إلى أن تهرب منها أو تقتلها بطريقة ما. لكن هناك شيء عليك معرفته، في بعض الأحيان إذا استعملت هذه الخدعة كثيرًا، ستجعل الوحش أكثر غضبًا، ما يسبب هيجانه وزيادة عدوانيته أكثر بكثير، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة قوته بشكل غير متوقع أو بدأه بتدمير المكان من حوله كطريقة لقتلك إذا كنت بالأرجاء."
بعد إنهائه لكلامه، وصل هو وإيثان إلى المكان الذي افترقوا فيه آخر مرة. لم يكن هناك أحد سواهم. وضع جيسي وإيثان الأعشاب على الأرض. نظر جيسي يمينًا ويسارًا و قال و في وجهه ملامح الاستغراب: "غريب، لقد ذهبوا قبلنا لكننا وصلنا قبلهم. ما سبب تأخيرهم هذا؟"
إلا فجأة سمع جيسي آثار أقدام آتية من أمامه، وجه مسدسه نحوها استعدادًا لأي خطر قادم. ظل صوت الأقدام يصبح أوضح فأوضح، إلى أن ظهر جوزيف والبقية يركضون بسرعة وكأنهم كانوا يهربون من شيء ما. نظر جيسي نحوهم باستغراب، لكن جوزيف صرخ عليه قائلاً: "اهرب!!" لم يفهم جيسي ما الذي يحدث، لكنه لمح من بعيد شيئًا غريبًا. لاحظ أن الأشجار تسقط واحدة تلو الأخرى. لم تمر ثوانٍ إلا أن لاحظ أن هناك شيئًا عملاقًا يتوجه نحوهم. جلده كلون الأشجار لذلك لم يلاحظه بسرعة. وقبل أن يستوعب ما الذي يحدث، وجد مخلوقًا عملاقًا أكبر من الأشجار نفسها ينظر نحوه. كان وجهه عبارة عن عين عملاقة ذات لون أصفر. عندما نظر جيسي إليه، هرب مسرعًا دون النظر خلفه بين الأشجار وملامح الرعب مسيطرة على وجهه.
(نهاية)
gg