Cherreads

Chapter 22 - القمر

في ظلام الليل الدامس، أسواقٌ خاوية. همساتُ أوراق الأشجار بالجوار ممزوجة مع صوت صراصير الليل. أناسٌ نائمة في أكواخها، بعضهم مرتاح من مشقات الحياة تحت راحة الأحلام، بينما البعض الآخر تبعتهم مخاوفهم وأحزانهم إلى عالمهم الوهمي محوِّلةً أحلامهم إلى كوابيس. لكن داخل أحد الأكواخ، في أحد الأسرة، كانت جيني تتقلب في سريرها يمينًا وشمالًا غير قادرة على النوم. فتحت عينيها ببطء ناظرتا الا السقف، وبعد مرور عدة لحظات نهضت جيني من سريرها متوجهة نحو جرة المياه بوجه مليء بالإرهاق. أخذت كأسًا من الماء وبدأت بالشرب. بعد انتهائها التفتت إلى الوراء لتجد أن كل الفتيات نائمات في أسرتهن بينما هي غير قادرة على النوم. أخذت تمسح عينيها بينما تفكر "لم أستطع النوم جيدًا لمدة 5 أيام بينما هن يَنَمن بهذه السرعة، هذا يزعجني حقًا". أخذت نفسًا عميقًا وتوجهت نحو الباب خارجةً من الكوخ.

ليستقبلها نسيم الهواء البارد في الخارج. بدأت بالمشي في الطرقات بينما الشيء الوحيد الذي يضيء المكان هو ضوء القمر الخافت. رفعت رأسها للأعلى ناظرةً نحو القمر في السماء وقالت بصوت خافت: "فقط أنا وانت كالعادة. وحيد كعادتك أيها القمر تعكس ضوء الشمس الحارق إلى ضوء لطيف يضيء ظلمات الليل". بعد مدة من المشي وجدت كرسيًا أمام أحد الأكواخ، توجهت نحوه وجلست عليه. أخذت نفسًا عميقًا بينما تنظر نحو الأرض. بعد عدة ثوانٍ، رفعت رأسها نحو القمر وقالت بوجه تعب: "أتدري يا قمر؟ أنت صديقي الحقيقي الوحيد. كلما أكون وحيدة تكون أنت بجانبي... (لحظة من الصمت) أتتذكر المرة الأولى التي التقينا فيها؟". سكتت لعدة ثوانٍ لتظهر ابتسامة خفيفة على وجهها التعب: "ما زلت تتذكر! هههه أجل لقد كان شكلي غبيًا بعمر السادسة".

أغمضت جيني عينيها مسترجعةً ذكرياتها بعمر 6 سنوات، جالسةً أمام باب منزلها (الكهف) في ليلة ممطرة بوجه عبوس. فُتح الباب ببطء ليخرج منه أبوها. نظر نحوها مستغربًا: "ما الذي تفعلينه خارجًا يا صغيرتي؟ سوف تصابين بالبرد". نظرت جيني نحو أبيها وقالت بنبرة حزينة: "لماذا لا يوجد أشخاص آخرون يمكنني اللعب معهم؟ لقد تعبت من البقاء وحدي معظم الأوقات". ظهرت تعابير القلق على وجه الأب. ظل صامتًا لعدة ثوانٍ ومشاعر التوتر تغمر جسده، ظل يفكر في كيفية إخبارها بالحقيقة في هذا العمر الصغير، إلى أن فجأة جاءته فكرة. ظهرت ابتسامة خفيفة على وجهه وأشار نحو القمر قائلاً: "أنت لستِ وحدك، أنظري إلى القمر، إنه وحيد في السماء خجول ليس لديه أصدقاء، ما رأيك أن تصبحي صديقته؟ سوف يسعد بذلك". ظهرت تعابير الاستغراب على وجهها وقالت: "حقًا؟". ربّت الأب على رأسها وأكمل قائلاً: "طبعًا، إنه موجود دائمًا في الليل وحتى في النهار أحيانًا، لذلك بإمكانك التحدث معه طوال الوقت". ظهرت تعابير طفيفة من السعادة على وجهها، ووجهت أنظارها نحو القمر وقالت له بنبرة خجولة: "يا سيد قمر، أتقبل أن تصبح صديقي؟". عم الهدوء المكان مما جعل جيني تظن أن القمر لا يريد أن يكون صديقها، لتظهر تعابير الحزن في وجهها. تدارك الأب الموقف وغيّر نبرة صوته إلى نبرة أكثر رقة وحاول عدم فتح فمه كثيرًا لكي لا تلاحظ جيني أنه هو من يتكلم، وقال: "نعم يا جيني، أقبل أن أكون صديقك". وجهت جيني أنظارها نحو القمر بعينين واسعتين وابتسامة كبيرة بينما مشاعر السعادة ملأت قلبها، وقالت له بنبرة متحمسة: "شكرًا لك".

(العودة للحاضر)

ضحِكت جيني ضحكة خفيفة قائلة: "هههه أتذكر أنني بقيت الليل بطوله أكلمك، لقد كانت تلك أسعد أيام حياتي". عم الصمت المكان بينما ظلت جيني تنظر نحو القمر، إلا أن فجأة سمعت صوت خطوات من بعيد، مما أصابها برعب مفاجئ. تسارعت نبضات قلبها و وجهت نظرها نحو مصدر الصوت بسرعة لترى من بعيد جوزيف يمشي نحو مكان ما. عندما وجدت أنه جوزيف ارتاحت بعض الشيء، لكنها استغربت من سبب خروجه هو الآخر في الليل. "ما هذا؟ لقد أفزعني، لماذا هو مستيقظ إلى هذا الوقت؟ أهو الآخر لم يستطع النوم؟". جاءها نوع من الفضول عن ما يفعله جوزيف، فقررت الذهاب إليه لتسأله.

توجهت نحو المكان الذي ذهب إليه لتجده قد اختفى. ازداد شعور الاستغراب والحيرة لديها بينما تتساءل إلى أين ذهب. قررت التوجه نحو الأمام مباشرةً لعلها تجده في الأرجاء. استمرت بالتقدم إلى أن بدأت تسمع صوت جوزيف خلف أحد الأكواخ. لم ترد جيني كشف نفسها، فقررت أن تطل عليه من وراء أحد الأكواخ من بعيد. أظهرت جزءًا من عينيها لتستطيع رؤيته بينما باقي جسدها كان خلف الكوخ. وجدت جوزيف أمام جدار القرية ينظر نحوه بينما يتكلم مع شخص ما. لم تستطع جيني رؤية الشخص بسبب الظلام، لذا حاولت التركيز عليه لكنها لم تستطع. ظلت واقفةً بمكانها لعدة دقائق محاولةً معرفة من هو الشخص الذي يتحدث معه. بدأ ضوء القمر يتجه نحو المكان الذي يقف فيه الشخص المجهول، وبعد مرور مدة من الوقت وصل ضوء القمر بالكامل إلى ذلك الشخص. فور رؤية جيني له، تسارعت دقات قلبها وظهرت تعابير الصدمة والرعب على وجهها، قامت بالابتعاد ببطء حذرًا من أن يسمعها. بعد عدة ثوانٍ ابتعدت بما فيه الكفاية عنهم، ثم توجهت مسرعة نحو كوخها، وملامح الرعب والصدمة لا تزال على وجهها.بعد وصولها توجهت مباشرةً نحو السرير محاولةً نسيان الشيء الذي رأته. ظلت مرعوبة وهي تنظر نحو الباب، متخيلةً أنه قد لاحظها وسوف يدخل عليها في أي لحظة. رغم أنها نظرت نحوه لثوانٍ معدودة، لكنها تذكرت وجهه بوضوح؛ مخلوق طويل بعض الشيء ذو رأس بشري مليء بكل أنحائه بأفواه بشرية مع جسد هزيل تظهر عظامه من تحت جلده، وعلى كتفه عظام صغيرة وكأنها قرون ماعز. منذ رؤية جيني لهذا المخلوق، ظلت تسمع همسات غير مفهومة طوال الليل، تاركةً إياها في حالة من الرعب حتى طلوع الشمس.

(النهاية)

gg

More Chapters